هناك بديل لغاز العدو

هناك بديل لغاز العدو

بقلم علي نصراللّه

قد يجادل البعض أن الغاز من الكيان الصهيوني ربما يكون الأرخص ككلفة اقتصادية، لكن كلفته السياسية والأخلاقية ومخاطرته الاقتصادية أعقد من التبسيط الذي يتم التحدث به من قبل بعض المسؤولين. صفقة الغاز من الكيان الصهيوني هي صفقة مع كيان يسرق الغاز من الأراضي المحتلة لتدرعليه دخلاً صافياً قد يصل إلى 8.4 مليار دولار، ما يكفي لتمويل ثلاث حروب جديدة على غزة

 

الغاز المسروق لا يجب أن يعتبر خياراً متاحاً لخطورة ربط طاقتنا بكيان عدو متقلب المزاج أولاً، وثانياً لأن الغاز من الكيان الصهيوني لن يصل الأردن قبل عام 2018 في أحسن التقديرات، أضف إلى ذلك أن هناك الكثير من المشاكل الداخلية في الكيان بخصوص ملف الغاز ضد الشركات المتعهدة باستخراج الغاز متعلقة بتخوفات من تشكل ائتلاف يحتكر استخراج الغاز من المتوسط، مما قد يؤخر وصوله الى ما بعد 2018

 

شبكة الكهرباء الأردنية صغيرة نسبياً، حيث أن التوليد يصل إلى 2800 ميجا وات أما السعة الكلية للشبكة فهي 3000 ميجا وات. حسب ما هو معلن، كمية الغاز المتفق استيرادها من الكيان الصهيوني تصل كحد أدنى إلى 300 مليون قدم مكعب يومياً لمدة 15 عاما، وبقيمة اجمالية مقدرة بحوالي 15 مليار دولار، حيث ستساهم هذه الكمية في تأمين ما يقارب 30% من اجمالي الطاقة أي حوالي 1000 ميجا وات. إن الاستغناء عن صفقة الغاز المسروق يعني أن علينا أن نبحث لإيجاد بديل للغاز الاسرائيلي لإنتاج 1000 ميجا وات في العام 2018، من خلال خيارات للأردن توفر هذه الكمية من الطاقة قبل وصول الغاز الاسرائيلي وتوفر 3 سنوات من العجز في الموازنة الناتج عن مشكلة الطاقة

أدناه نستعرض بعض من الحلول لمشكلة توفيرالطاقة الأساسية لإنتاج الكهرباء

أولاً: ما نستخدمه الآن، النفط

اعتمدت شركات توليد الكهرباء في الأردن على حرق الوقود الثقيل بعد انقطاع الغاز المصري مما سبب زيادة في كلفة إنتاج الكيلو وات من 11 إلى 19 قرشاً. هذه الأرقام التي ما زالت تعتمدها الحكومة حتى الآن تقدر سعر برميل النفط بـ 100-120 دولار لاحتساب الخسائر المترتبة على قطاع الكهرباء وهذا التقدير قد جاوزه الزمن، فالسعر الحالي لبرميل النفط وصل حوالي 45 دولار، ومن المتوقع أن يبقى باطار هذه الاسعار المنخفضة ضمن ما يصفه خبراء الطاقة بحرب النفط الأمريكية السعودية على روسيا وإيران. هذه الأسعار المتدنية تقلل الخسائر المترتبة على الحكومة بنسبة كبيرة لا تقل عن الثلث (بما أن سعر النفط هبط إلى النصف في حين تبقى تكلفة التشغيل ثابتة تقريباً). التحليل الإقتصادي بأن سعر النفط سيبقى ضمن هذه الأسعار المنخفضة ، يعتمد على أبسط نظريات الإقتصاد: العرض والطلب. الطلب على النفط هبط بسبب الأزمات الإقتصادية في الإتحاد الأوروبي وتراجع الصناعة في الصين، لكن العرض زاد بدخول أمريكا لسوق النفط عبر استخراج النفط من الصخر الزيتي، وابقاء انتاج دول الاوبك كما هو (30 مليون برميل يومياً). وتجدر الإشارة بأن السعودية رفضت في اجتماع دول الاوبك بأن تخفض الإنتاج،  مع أن ابقاء العرض ثابتاً مع نزول الطلب يعني هبوط سعر برميل النفط

oil

  

 ثانياً: الغاز الطبيعي المسال 

يشكل الغاز المسال مصدراً موثوقا به لإستيراد الغاز بالمقارنة مع الغاز الاسرائيلي، إذ يمكن للأردن أن يحصل على الغاز المسال من أي مكان في العالم في حال إنقطاعه من جهة معينة. رغم أن سعر الغاز المسال قد يكون أغلى من الغاز الاسرائيلي إلا أن الحكومة تستطيع أن تتفاوض مع عدة مصادر عربية وعالمية لتحصل على سعر تفضيلي وبالذات اذا التزمت بتعاقد استيراد لمدة ١٥ عام كما تريد ان تفعل مع الكيان. وفقاً لتصريحات وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور محمد حامد يتم حالياً انشاء ميناء لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في العقبة، ومن المرجح ان يكو الميناء جاهزاً لاستقبال الغاز المسال المنقول عبر السفن مع بداية شهر أيار من العام 2015. وقعت شركة الكهرباء الوطنية مع شركة شل اتفاقية لشراء 150 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال يومياً بكلفة اجمالية سنوية تقدر بحوالي 500 مليون دولارالإتفاقية مدتها خمس سنوات وتعتمد على سعر برنت الحالي ومن المتوقع أن تصل أول شحنة ب آب 2015

يجدر الاشارة هنا إلى أن الحكومة ممثلة برئيس وزرائها عبدالله النسور ادعت بأن الجزائر ليس لديها أي فائض من الغاز لعشر سنين قادمة لعقد صفقة مع الأردن، لكن بعد اسبوعين عقدت مصر صفقة جديدة مع الجزائر لاستيراد الغاز المسال. كما قالت الحكومة إن الغاز من قطر يكلف ضعف سعر الغاز من الكيان الصهيوني. لكن وبحسب النائب مصطفى الرواشدة ” الحكومة الاردنية لم تطلب من نظيرتها القطرية شراء الغاز القطري ولم تجرِ أي اتصال بهذا الشأن وما جاء على لسان الحكومة حول فرق الاسعار بين الغاز القطري والغاز الاسرائيلي هو افتراء وغير صحيح لان الحكومة لم تسعّر الغاز القطري في الاصل”

 
ثالثاً: الصخر الزيتي

يعتبر الاحتياطي الاردني من الصخر الزيتي رابع أضخم احتياط في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية والصين وروسيا، فحسب بيانات رسمية فان الكمية المقدرة من الصخر الزيتي تبلغ نحو 70 مليار طن. هناك طريقتان للاستفادة من الصخر الزيتي في توليد الكهرباء: الأولى عبر استخراج النفط الذي يستخدم لتوليد الكهرباء اضافة لاستخدامات أخرى، والثانية من خلال الحرق المباشر لتوليد الكهرباء. تؤكد وزارة الطاقة والثروة المعدنية أن استخراج النفط من الصخر الزيتي يبقى مجدياً اقتصادياً ما دام سعر برميل النفط عالمياً أعلى من 40-50 دولار، وهو السعر الحالي.  أما وفق تصريحات نائب رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن د.موسى الزيود ،” فإن توليد الكهرباء من خلال الحرق المباشر للصخر الزيتي لن يتأثر بانخفاض اسعار النفط نهائياً حتى وإن انخفض سعر النفط العالمي إلى 20 دولار”. وقعت الحكومة عدة اتفاقيات لاستغلال الصخر الزيتي ومؤخراً وقعت اتفاقية مع شركة استونية لتوليد الكهرباء من الصخر الزيتي بمقدار يتراوح حسب الإعلام بين 470-554 ميجا وات لمدة 30 عام، مما يشكل سدس استهلاك الأردن من الكهرباء تقريباً، مع القدرة على رفع المقدار إلى 1000 ميجا وات وامكانية تزويد الأردن بكمية أكبر من الطاقة عبر الصخر الزيتي. ويبدو خيار استخدام الصخر الزيتي خياراً حكيماً خاصة وأن مشروع الصخر الزيتي سوف يوفر الكثير من فرص العمل في السوق الأردني، فمن المتوقع تشغيل 3500 عامل خلال الإنشاء وإيجاد 1000 فرصة عمل بعد التشغيل  

رابعاً: الطاقة المتجددة

من بين جميع الخيارات المتوفرة للطاقة، أفضل شخصياً الطاقة البديلة لأسباب كثيرة، أولها أن الطاقة البديلة تحقق الإستقلال والسيادة الكاملة للأردن في ملف الطاقة، كما أن الأردن محظوظ بموقع جغرافي عالي الإمكانيات بالنسبة للطاقة البديلة، اضافة إلى أن الطاقة البديلة صديقة للبيئة. في اعتقادي إن الطاقة البديلة هي المستقبل، وبإمكان الأردن أن يصبح رائداً في هذا المجال، ويصبح مصدراً للتكنولوجيا

أقرت الحكومة عدة مراحل لمشاريع الطاقة البديلة بمجموع انتاجي 1209 ميجا وات حسب موقع وزارة الطاقة والثروة المعدنية منها مشاريع تعتمد على الطاقة الشمسية ومنها مشاريع تعتمد على طاقة الرياح، كما وضعت الحكومة خطة لإكمال هذه المشاريع في عام 2018، أي قبل وصول الغاز الاسرائيلي. المرحلة الأولى للطاقة الشمسية وقعت مع شركات خاصة بمقدار 150 ميجا وات ستبدأ العمل في الربع الثاني من هذا العام 2015

ويذكر أن المانيا هي الدولة الرائدة في مجال الطاقة البديلة عالمياً، لكن الأردن يمتلك إمكانيات أكبر بكثير من ألمانيا خصوصاً بالنسبة للطاقة المولدة من الشمس. حيث أن مقياس الرسم لخارطة ألمانيا وفقاً لمقدار المتوسط السنوي للطاقة الساقطة من أشعة الشمس على المتر المربع الواحد يتراوح بين 1100 و 1300، بينما يتراوح مقياس الرسم لخارطة الأردن بين 1900 و2300

kWh\m2


solar system jo
 

solar ger

خامساً: الطاقة النووية

الطاقة النووية هي احدى الخيارات المتاحة إلا أنها غير مرغوبة من قبل شريحة واسعة من المواطنين الأردنيين لما يترتب عليها من مشاكل، أهمها العبء الإقتصادي والحاجة لمليارات الدولارت من القروض لتمويل المشروع، والتأثير السلبي على البيئة، والخطر على المواطنين في حال حدوث أي خلل فني مثل حادثة تشيرنوبيل في أوكرانيا أو كارثة بيئية كما حصل في اليابان في فوكوشيما. رغم كل المعارضة الشعبية للمشروع النووي إلا أن حكومتنا الرشيدة مضت بالتوقيع مع الحكومة الروسية لإنشاء مفاعلين نوويين بقدرة 1000 ميجا وات لكل واحد يجهز أولهما في 2024 والثاني في 2026

سادساً: النفايات وحلول أخرى

اعلنت السويد أنها تحرق 99% من النفايات في بلادها لتوليد الطاقة. وحسب احصائياتهم فإن حرق 3 طن من النفايات يولد طاقة تكافىء حرق 1 طن من النفط. الأردن لديها مؤشر عالٍ بالنسبة للدول النامية في ما يخص مقدار النفايات للفرد الواحد فهي في الأردن 0.9 كغ نفايات/فرد/يوم مقابل 1.26 كغ نفايات/فرد/يوم في السويد مما يؤشر إلى إمكانية تطبيق هذه الطريقة محلياً

هناك العديد من الحلول التي لم يتم ذكرها هنا لأنها أكثر تعقيداً وتحمل اشكاليات مختلفة منها مشروع ربط الكهرباء مع البلاد العربية مثل سعودية ومصر والعراق خصوصاً أن هذه البلاد لديها ساعات ذروة مختلفةعن الأردن في استخدام الكهرباء، والتنقيب عن الغاز والنفط في الأراضي الأردنية، والفحم الحجري، وترشيد استهلاك الطاقة

في العام 2018 تستطيع الأردن أن تعتمد على مصادر متنوعة تضمن الاستقلال بملف الطاقة إذا ما أمّنا حاجتنا من الطاقة بكيمة 1000 ميجا وات من الطاقة المتجددة و 500 من الصخر الزيتي و 1500 موزعة بين الغاز المسال المستورد والنفط حسب اسعار السوق العالمي. وفي العام 2024 سيدخل أول مفاعل نووي إلى معادلة الطاقة موفراً 1000 ميجا وات ليستبدل النفط تماماً ويوفر نسبة التضخم بالطلب على الكهرباء في الأردن.من المؤكد أن لدى الأردن مشكلة عجز في ملف الطاقة، ولكن الحلول كثيرة ومتعددة والغاز المسروق من قبل الكيان الصهيوني ليس منقذاً وليس الخيار الوحيد، وتكلفته غيرالمادية  يجب أن تؤخذ بالحسبان كما ان تكلفته المادية لا تبرر خطره الاستراتيجي اذا ما قورنت مع البدائل الاخرى الأكثر أمناً واستقلالية

عدا عن ذلك فتجربتنا المريرة مع الاحتلال علمتنا الكثير، فمع أن الحكومة الأردنية ارتبطت بمعاهدة “سلام” مع الكيان الصهيوني منذ 20 سنة، إلا أن الكيان الصهيوني ما زال حتى الآن عدو الأردن الأول ولم يتوقف الاحتلال عن استهدافه للأردن وفلسطين، ولم يوقف مخططاته التوسعية التي تهدد الأردن. من بنود معاهدة وادي عربة كان تقسيم مياه نهر الأردن ونهر اليرموك والآبار الجوفية في وادي عربة بين الكيان الصهيوني والأردن، لكن كيان الاحتلال لم تلتزم بالإتفاقية وما زالت تستحوذ على كمية غير عادلة حسب المواقع الجغرافية للأنهر، مما أدى إلى أن يصبح الأردن ثالث أفقر دولة في المياه عالمياً. إن ملف الطاقة خطير جداً بحجم تأثيره على الاقتصاد المحلي، فلا يصح أن نربط طاقتنا بعدونا، ويتوجب عند الحديث عن الحلول لمشكلة الطاقة في الأردن دراسة الخيارات المتاحة الأقل كلفة اقتصاديا وأمنيا وأخلاقيا على الدولة الأردنية

Trackbacks/Pingbacks

  1. هناك بديل لغاز العدو | الأردن تُقاطع - 02/13/2015

    […] هناك بديل لغاز العدو […]

Leave a Reply